نص للشاعر و الناقد زهير غانم –2006/5/20
ربما كان يلعب• ربما كان يحضر نفسه لتأملات وتصورات، مختزنة في وعيه ولا وعيه ربما كان يتخيل، وهو يجلس في المقهى مع أوراقه، والقهوة التي تدفع به إلى الصحو• ربما دفعت بالأشكال والأجساد• الوجوه والمرئيات إلى سطح وعيه• فما كان منه إلا أن حبّرها بالقهوة على الأوراق• وكأنه يمارس طقوساً غريبة• تشبه « قصقص ورق ساويهن ناس » إشرب القهوة أو ادلقها• ساويها ناساً• وهكذا كان المعرض بمادة القهوة•
لكننا إذا تجاوزنا ذلك وعبرنا عن المادة سندخل إلى التشكيل والرؤيا الجمالية الفنية التي تتحكم بالفنان عن بعد عبر الزمن• والآن عبر الراهن• وربما رسمت أو خطت توقعاته واحتمالاته للمستقبل هكذا هو الأمر في معرض الفنان كاظم خليل، وفي هذيانه القهوي الجسدي، حيث يقسم جسمه في جسوم كثيرة• كما عروة بن الورد• أو أنه يجسد أوهامه عن الجسد البشري ويتجاسده• هذا الجسد الذي هو قبة الر،ح يخططه ويرسمه بغنائية وانسيابية، وسيولة وجريان لا مثيل لها، وكأنه يستشبه أجساد عصر النهضة عند مايكل أنجلو• لكن بتعبيرية حديثة لا تسمى ولا توصف، بل توحي وتدل عما يعتمل فيها، وعما تكابد وتعاني• وتعاين من هذه الأجساد وكأن الفنان يتطوى ويتجوى فيها، ويتجون• ويتضايفها ويتجارفها من أعماقه، حيث يمارس طيها ونشرها، وكأنه يحتفي ويحتفل فيها، بل كأنه يمتحن ذاكرته وترجيعاته الطفولية عن شاطئ البحر، والاجساد السابحة• أو كأنه يتخيل هذه الأجساد ويحملها ويتصور أنها على مرمى القلب• وأقرب من حبل الوريد، أجساد شفافة لكنها مشدودة العصب• قويته في حركاتها الراقصة• وسواء كانت مستلقية• جالسة أو واقفة• هي في الاستعارة نفسها التي يحتكم الفنان فيها إلى توثب ريشته• وإلى توترها وتواترها• في الايهام بالعضلات المشدودة التي تختزن الطاقة• وكأنها أجساد طافحة بالحياة، وهي على مرمى الرقص والاحتفال والحب••!
لا شك أن للفنان كاظم خليل• هواجسه وظنونه تجاه نفسه وتجاه العالم• فهو يذهب في شؤونه وشجونه عبر الجسد، ويقشر عن جسده الأجساد التي رسمها وجعلها تصحو وتبزغ من ماء القهوة الساخنة والفاتر والبارد• ومن ذراتها الناعمة• وكأن ما يعتكس في ذاته هي أخلاط الجسد ومذاقاته، ونكهاته، وحرافاته• وحرقاته أيضاً• إنه يدفئ الخطوط أحياناً ويجعلها أثيرية متقطعة سرابية• ناعمة كما أنه يبرد الخطوط العريضة ويجعلها سميكة متلوية، مداورة مناورة للاحاطة بما تحت الجلد، بالعضلات التي تتخافق وتتصافق• في الأجساد الأنثوية والذكورية معاً••!
وكنت أفكر وأنا أتأمل هذه الإلتواءات والاستيهافات الجسدية، بتلوي أفاعي الجسد والشطح إلى خيره وشره المستطير• وإلى شياطينه التي تتغول وتتغور وتعصف فيه• غير أن الإيقاعات والموسيقى• وجماليات التناول وحتى الاشارات الحضارية الأوغاريتية في بعض اللوحات• تفضي بذلك إلى الحضور الفني• وتسمو بالجسد عن دنسه ورجسه ورجيميته• وتجعله في مصاف خلق الله وابداعه في خلق الانسان• وليس الجسد كما هو في كوابيس جيرونيم بوش مفكك محلل متفسخ فاسد ومرعوب• إن جسد الفنان كاظم في مراتب القداسة• والحلم• والأيقونية• وقيم الحق والخير والجمال التي يشهد عليها في لوحاته التي تمتلك جاذبياتها الحالمة الحادبة•الحانية، الرؤوم••!
» زهير غانم » معرض الفنان كاظم خليل » صالة راقيا للفنون » 40 لوحة بمادة القهوة » 5/8 – 2006/5/20 •